وادي المخازن
وخلل الموازين / الجزء الثاني
القصر الكبير
: مصطفى منيغ
الحنينُ خَوْضٌ في
جوهرِ تَصَرُّفٍ مَا أتَى بعده نعمة وما بَعْدَ بَعْدِهِ نقْمَة ، لما أخفاه العقل
الزَّمن كاشف ما تَضَمنَّه مِن معنَى سابقٍ لايِّ شَرْحٍ بالصورة والكلمَة ، في
تحالفِ مع خيال وُجِدَ لتَشْخِيصِ مستقبل ما جَرَى بَعْدً ماضي مُعادٍ اندثرت خلاله الرغبة وتخطيطات المُهمَّة
، ليعم الارتياح مَن ساده الطموح لواقع لم يكن لمصيره مالك أو تَسُوده كآبة
المسؤول عما غيَّر مَسرَى حياته بِحُكْمِ زمرةٍ عن غير حِكمة (وراء الستار) به
حاكِمَة . الحنين خطوة للوراء عسَى الوقوف (للنظر بتمعن أكثر تركيزاً ممَّن صقلته
الأعوام الماضية من عمره) ينفع لفهم العائق المبهم التارك تلك البَصْمًة . الحنين
وِصال ما بَدَا حينها مستحيلاً لمتأثِّرٍ عن ظروف أوقفَتْه على قساوةِ القسوَة ،
جامعة الأضداد لمناصرة الفارق بين البسيط والمُرَكَّب عن ثروَة ، يجعل الأخير
رافضاً اقتسام مثل الحقوق مع فقيرٍ يعتبره عُبْوَة ، مع المصاهرة قد تنفجر للاستيلاء
فوق مَن أحبَّها على ما يتعدى الحَسْوَة .
... مدينة القصر
الكبير ساعتئذ عرفَت أربع طبقات مِن البشر ، أغلبية متواصعة في كل شيء ، طيبة همها
الأساس تربية ابنائها على نهج الأخيار، قانعة بأقل القليل إن كان مستمراً كدخل عن
عمل نظيف مبذول كحرفة مُكتسبة دون اختيار ،
دَخْل مالي لا تشوبه شائبة أو تُعكِّر اكتسابه ولو رائحة الشك في مصدر
حلاله الخالي من أي أسرار ، الثانية أقليَّة من الإقطاعيين القادرين كانوا للتعامل
مع الشيطان ، لاستثمار ارباحهم عن صفقات خاصة أغلبها تتم ليلاً والناس نيام ما بين "عَرْبَاوَة" ونقطتي تَحرُّكِ
القطار بين مدينتي "طنجة" و"القنيطرة" معظمها تنفَّدُ عن أداء أضخم رشوَة ، والطبقة الثالثة مكوَّنة من الموظفين
الرسميين أكانوا خاضعين للإقامة العامة الاسبانية ، أو مصالح مدنية أقام لها
الاحتلال الاسباني مكاتب مثَّلَت النواة الأولية المنظِّمة للشؤون الاجتماعية
الأهلية ، بواسطة مغاربة ابناء البلد ، كوَّنهم على يديه ليكونوا أقرب إليه من
سواهم ، والآلة المسخرَّة من طرفه لدفع السكان لقبول الوضعية الجديدة وما تحتاجه
من انضباط يُرَتِّب الحاجيات ، وفق امكانات ناتجة عن استغلال ما كانت تجود به
الأرض من خيرات ، والرابعة فهي للنازحين الوافدين على المدينة من الدواوير والقرى
المحاطة بالقصرالكبير ، التاركين حياتهم الريفية الى البحث عن فُرصٍ أحسن مع قوات
الاحتلال ، فوجدوا أنفسهم مجندين بثمن زهيد ، فيما كان يُعرف بقوات "التدَخُّل"
و "المْحَلَّة" ، ولكل الفريقين اختصاص مخالف ومتمم في ذات الوقت للأخر
، لكن الهدف واحد ملخَّص في ترسيخ قواعد الاحتلال بطُرُقٍ أكثرها شيوعاً ، الحصول
على ألبسة الجندية ومواد تموينية أساسية .
...مرافقة لمثل
الاستعداد اتجه الأسبان إلى بناء ما أذهل الجميع ، وجذب الاستفسار عمَّا يُنتظَر ،
بإعطاء هذه المدينة الصغيرة الحجم ، كل تلك المعالم العمرانية الضخمة المكلفة
الجهد والمال ، تنافس بعبقرية هندستها والمواد المستعملة في انشائها بعض شبيهاتها داخل
اسبانيا ، لكن وبفليل من التفكير يُستخلص إعطاء القصر الكبير ما تستحقه من قيمة رفيعة ،
ووسائل تساهم في إعدادها للعب دور خاص وهام ، تمنحُ مِن خلاله الارتياح لرغبة
اسبانيا تطوير الموجود الواقع ، لإنشاء ثقافة
تجعل المحتل الاسباني صاحب فضل على بناء ما كان يبدو مستحيلا قبل حلوله ،
ليُستقبَل فيما يزمع تحقيقه لغاية مكتومة في سره بالأحضان ، ومع ذلك بقي القصريون
مع موقفهم المبدئي المدافع الأصل الأصيل عن الوفاء والاخلاص لوطنهم المغرب ، مع
الاستفادة مما يزداد من مظاهر الازدهار المطلوب التعامل معها بذكاء ريثما يتمكنوا
من استعادة حريتهم واستقلال بلدهم ، فتعايشوا معها بترحاب تقتضيه دبلوما سية
المرحلة ، مقتنعين أن إخراج المحتل يتطلب توفير امكانات ومنها المعرفية قبل
المادية ، فانكبوا على اقتباس ما ينفعهم مستقبلأ كما رأوه وسمعوه وشاركوا في
مسايرته عملاً مشروعاً يأخذون عليه أجرة ، وتعليما مجانيا موضوع رهن اشارة صغارهم
، وتطبيباً على قياس المتوفر في اسبانيا ذاتها وبالمجان أيضا ، وكل ذلك خلال مرحلة
جد قصيرة ، كأنَّ اسبانيا مصمِّمة الدفاع عن احتلالها ذاك ، بكونه تطوعاً لوضع
مجتمع على فاطرة التحضُّر الغربي ، لتُغطِّى منافعها العديدة ، ومنها استغلال ما
كان جل المغاربة في الشمال لا يعرقون عنها سوى النزر القليل ، من خيرات لا تُحصَى
، كانت كفيلة لو أُحسِن استعمالها من طرف سلطات الدولة المغربية ذاك الوقت ، لما طمع الأجانب فيها وخططوا ٌلإدراك ذلك .
مصطفى منيغ
سفير السلام
العالمي
مدير مكتب
المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدني – أستراليا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق