وادي
المخازن وخلل الموازين / الجزء 13
القصر الكبير : مصطفى
مُنِيغْ
الحنين جولة في أسفارِ تاريخ مُسَطَّرٍ
فوق أوراق ذاكرةٍ بغير حروف لأي لغة كانت ، يَطرقُ محاسن مخلَّفاتها عقل رجلٍ لمباركة قرارات
محمودة اتَّخذها ذات توقيت ، إتباعاً
لسنن حياةٍ تتطلَّب التعبير العملي عما يخطر على البال ويقضي ترجمته واقعاً عن
مسؤولية يتحملها من تلك اللحظة / الحدث إلى يوم النشور ، فيتراءى له الناتج مدعاة
للصواب الصائب ، والتفكير النقي لما تحقَّق مصاحب ، والافتخار المُغلَّف بنعمة
السرور ، الباعث حماس شباب لاتباع نموذج إن تعمَّم فُرِضَ على الدولة مقياسا ،
لخدمتها مصالح الشعب وليس طموحات قِلة ، رافضة
اقتسام خيرات الوطن مكتفية بالهيمنة اللامشروعة على تسعين في المائة لنفسها ، وما
بقى تَخُصُّ به صاحب
الشأن في الأول والأخير الشعب لإسكاته بالقشور . الحنين يزحف اليه مَن يود امتحان
ماضيه وإن كان محقاً في اخلاصه مناضلاً ، ذهب به عشقه لمدينةٍ علَّمته معنى
الرجولة وقيمة التضحية من أجل تأييد مطالبها ، لتظل في شموخ َّ واقفة كحاضنة لمن
فضلوا التمسك بالشرف ، وما نصح به السلف ، وصيانة العرض الغير قابل للتلف ، فكان
مهما تقاذفته الأيام بين بعض دول المغرب العربي أو الشرق الأوسط أو اوربا أو
أمريكا أو أستراليا ، حمل بين وجدانه ثلاثة ، الله جلَّ جلاله ، ولحدٍ ما تلك
المدينة و المستحقة التقدير المرحومة
زوجته كما تضمَّن ذلك كتابه المنشور .
... تقبَّلت مدينة القصر الكبير الأمر
الواقع على مضض، مُعتبرة إياه مرحلة وستذهب لحال سبيلها عن رضاها أو كُرْههاً ، ما
دام محصول الحاصل ، تكوين الذين في حاجة إلى تكوين من شباب المدينة ، مهما كان
المجال القائمة عليه المصلحة العامة ، والتدريب العام لعموم
العامة المباشر ، للتعاطي مع ثقافة تحترم توابث الغير ، وتزكِّي الوعي لدى هذا
الغير ، بما يَحْدُث بعْدَ الضفَّة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط ، مِن انسجامٍ
مع متطلبات العصر ، الفارض على نُظُمِ الحُكم الاهتمام الايجابي بحاجيات الشعوب ،
وقيادَتِها للعيش كما يحلو لها ، تحت قوانين تنظيمية تعطي لفاقد الحق حقه ، في
تلاحم مع طموحات جماعية ، تسعى لتوفير ما يساعد الأجيال المتلاحقة عبر الزمن ، عما
يجعلها قادرة على الالتصاق بحب الوطن ، ما دام هذا الوطن متحمِّلاً عبر مؤسساته
المختارة ديمقراطياً ، مسؤولية حمايتها والدفاع عن كرامتها وإنسانيتها ، مهما بلغت
التحديات المعاندة مِن حدَّة . ولقد فطن المحتل الإسباني أثناء حكمه لشمال المغرب
، بذكاء القصريين وبكونهم ليسوا بالمادة الخام اللينة التي يسهل طيها تحت إرادته ،
فعمد لوضعهم محل التعامل بندية ، أسفرت عن تأسيس توافق ساهم بالخروج والجميع شاعر
بارتياح مبدئي بقرار ، أن مدينة القصر الكبير يجب أن تكون مانحة الدليل عن تعايش
أنساني بين المحليين والمتقاطرين عليهم من مواطني اسبانيا أكانوا نساء كاشفات
وجوههن أو رجالا مصاحبين عاداتهم . ولأول مرة يشهد الشارع المكوِّن لنواة المدينة
، مناظر شكَّلت تحوُّلاً متقدما لتعايش أنساني فاق كل التصورات ، بتجوُّل نساء
إسبانيات مصبوغة بشرتهن بمزيج الأبيض مع الأرجواني ، لابسات ما يُعطي لجنسهن
اللطيف أنوثة ترافقها الرِّقة ، وتظللها الأناقة ، وتتقدمها اللَّباقة ، ولا أحد
يضايقهن لا من قريب أو بعيد ، ولم تمر فترة حتى تعوَّدت المدينة على سماع خبر عقد
قران أحد القصريين باسبانية من الجزيرة الخضراء ، وتلك بداية لتعلق المحتل في
اشخاصٍ منه ، في الذوبان ببيئة عثروا فيها على الهدوء الروحي والعيش معه ، طبيعة
الحياة البعيدة عن صخب عُبَّاد المادة .
...
مسألة العمود الفقري لكل تنمية فكرية ، بالنسبة للناشئة الممثَّل في التعليم ،
تَحمَّلَ مسؤولية توفيره أهالي المدينة ، في تضامن وَفَّرَ ما يكفي لوضع لبناته
الأولى بشقه العصري ، كمدرسة مختصَّة بتدريس المواد الدينية جنبا لدنب مع مواد
أخرى ، كاللغة العربية والجغرافية والتاريخ ، ببرامج تلقِّن الأطفال ما يترعرعون معه
وهم مدركون المعنى النبيل لحب الوطن ، والتفكير المتصاعد في تقوية آفاقه ، بما
يجعله بين الأوطان طليعة الطليعة ، مُصان الجانب مسموع الكلمة مستقل في اتخاذ ما
يناسبه من مواقف وقرارات ، وقبل تلك الخصال الحميدة من تربية محمودة ، التمكُّن من
جعله دوماً مستقلاً غير خاضع لأية قيود أجنبية ، تنسيه ماضيه الحافل بالأمجاد
النيِّرة ، فكانت المدرسة الأهلية الحسنيَّة الكائنة
متصلة بالجامع الكبير ، في زقاق وحيد المنفذ مُحتَرَم ممَّن يلجه للزيارة ، كمعلمة
تضفي لما وصل اليه القصريون من عناية لتعليم ابنائهم ما يؤهلهم مواكبة متطلبات
المستقبل ، من عقول مشحونة بعلم نافع ، يدير ما يأتي به المستقبل مِن وسائل تحتاج
مَن يحركها ، وينتج من ورائها مغانم الرقي والازدهار ، فكانت المدرسة المذكورة أول خطوة صوب افراز جيل
عرفته مدينة القصر الكبير كواجهة عرفان ، ساد كل الميادين مستمرة في اشعاع مدخرات
كنوزها المتحركة مع تعاقب الأعوام كعقولٍ
لرجال ونساء ، محافظة على خصوصيات القصر الكبير وهويتها المميَّزة الدائمة الحضور
ليوم النشور . والمدرسة تعني هؤلاء المدرسين الأجلاء ، الذين قبلوا للإشتغال
بالقليل لينعموا بالكثير من حب الناس وتقديرهم ، وفي ذلك ثروة تفوق قيمتها قيمة
المال مهما بلغ ، وعلى رأسهم الفقيه "المتْني" والفقيه
"الهاشمي" والأستاذ عبد المالك السفياني الموظف آنذاك ببلدية القصر
الكبير إبان الاحتلال الاسباني .
مصطفى منيغ
سفير السلام العالمي
مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي
لحقوق الإنسان في سيدني – أستراليا
212770222634
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق