الاثنين، 17 نوفمبر 2025

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء 14

 

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء 14

القصر الكبير : مصطفى منيغ

الحنين اعتراف دون استنطاق عما حدث لمُهتَمٍّ من عشرات السنين او للحظة ماضية فقط ، تجعل منه سابحا في فضاء الفرح أو كلما تذكر أجزاء منها مع الحسرة والندم سقط ، لذا يتهرب ما تمكن لاسترجاع ما فات كليا أو جزئيا شاغلا فكره بما استطاع من أمور التقط ، وإن كانت تافهة المهم تأخذه ولو للسوداء كنقط ، تلهيه لحين عن ذاك الوسط ، حيث عاش زمن سيطرة نطام يتقن كل صنوف الشطط ، لمواجهة المناضلين بما يُسكت أصواتهم بما تنطق به مع جلودهم من صياط . في أيام حالكة اختلط فيها الطلم بالاستبداد فتولَّد عنهما الغضب الصامت وهو الأشد من العلني بأشواط . حيث فكَّر ذات النظام في ادخال أحرار مدينة مجاهدة داخل قدر تغلي فوق نار الحرمان ويحرك صمودهم الخرافي بأغرب مسواط  .

... اليهود في القصر الكبير وجدوا ما كان يهمهم من تعايش مثالي سلمي قائم على الاحترام المتبادل بينهم وأغلبية سكان المدينة من المسلمين ، بالرغم من انغلاقهم كشيمة ملتصقة بهم مذ كانوا ، إلا أنهم استأنسوا بانفتاح شمل زمرة منهم وهم يتعاطون بعض الحرف المفروض التعامل في اطارها مع الغير بنوع من التساكن القائم على مبادلة العلاقات الحميمية ومنها الزيارات العائلية والحضور في بعض المناسبات الخاصة بطقوس الديانة اليهودية الممارسة في ساحة سيدي بلعباس حيث تُحرق الشموع في ما يشبه ضريح يعج بالزوار من مختلف الأمصار لأهمية المدفون داخله  الحاخام ّيهودا الجبلي" ، بالتأكيد كان "الملاح " بحارة "الديوان" بمثابة القلعة التي عمدوا لجعلها مقر إقامتهم الجماعية ، مكونين داخلها وحدة بشرية متجانسة تتقاسم عادات وتقاليد عريقة ، وتهدف للإبقاء على وحدة تميزهم عن سواهم من سكان المدينة ، بالتكافل المنظم فيما بيننهم تجعلهم الأدرى بالمعوزين الفقراء منهم ، فيتكفلون برعاية أحوالهم ، وادماجهم للعيش في أمان من مد اليد . لهم مع جيل المدرسة الأهلية الحشنية بعض المواقف التي رسخن في داكرة البعض مواقف نبيلة ، ترسم بألوان زاهية لوحة تشير بمدى التلاحم الإنساني بين يهود تلك المرحلة ومدينة القصر الكبير تبني مستقبل أبنائها العلمي طوبة بعد طوبة ، حيث وُضعت مدرسة كانت خاصة ببنات اليهود لتقام فيها أول ثانوية عرفتها المدينة ، تأسست بفضل الأهالي واصرارهم على تعويض ما أهملته السلطات الحاكمة خلال مراحل لم يكن للقصر الكبير مكانة عندها لأسباب سابقة الذكر وما يأتي ذكرها في سياق نفس الموضوع لاحقا ، مؤسسة تعليمية قصرية مائه في المائة برامج وأطقم التدريس وما يحتاج استمرارها من ميزانيات مالية ، أول فوج التحق بها حُدد في ثماتين تلميذ وتلميذة ، عيِّن على رأسها مديراً الراحل مصطفى الشاوش المتحمل في نفس الوقت تلقين علوم الدين الاسلامي ، ومن أساتذتها المشهود لهم بالكفاءة الراحل العياشي الحمدوني والراحل عبد السلام طريبق والراحل أحمد السوسي وغيرهم من الأساتذة الأجلاء ، بإضافة أحد رجال دين اليهود المكلف كان بتعليم اللغة الفرنسية . من بين تلاميذ تلك المؤسسة القاعدة الأصيلة لانطلاق التعليم الثانوي بالقصر الكبير ، نتذكر في هذه العجالة : أسماء أحمد الرهوني ، السدراوي ، ادريس الطود ، عبد السلام السريفي ، أحمد بريطال ،  الزناكي ، أحمد الشاوي ، مصطفى منيغ ، المختار السباعي ، بوغالب الخلطي  ، أحمد المصباحي ، أحمد البناي ، عباس عدة ، فؤاد احسيسن ، الغالي العلوي ، محمد الرهوني ، السلاوي ، عبد السلام البقالي ، مصطفى الصفريوي ،  العربي العسري ، مصطفى طريبق ... الى آخر القائمة المتضمنة ثمانين من الطلبة مثلوا أمل القصر الكبير في عهده الجديد.

مصطفى منيغ

سفير السلام العالمي

مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدني – أستراليا

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء 13

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء 13

القصر الكبير : مصطفى مُنِيغْ

الحنين جولة في أسفارِ تاريخ مُسَطَّرٍ فوق أوراق ذاكرةٍ بغير حروف لأي لغة كانت  ، يَطرقُ محاسن مخلَّفاتها عقل رجلٍ لمباركة قرارات محمودة اتَّخذها ذات توقيت ،  إتباعاً لسنن حياةٍ تتطلَّب التعبير العملي عما يخطر على البال ويقضي ترجمته واقعاً عن مسؤولية يتحملها من تلك اللحظة / الحدث إلى يوم النشور ، فيتراءى له الناتج مدعاة للصواب الصائب ، والتفكير النقي لما تحقَّق مصاحب ، والافتخار المُغلَّف بنعمة السرور ، الباعث حماس شباب لاتباع نموذج إن تعمَّم فُرِضَ على الدولة مقياسا ، لخدمتها مصالح الشعب وليس طموحات قِلة ،  رافضة اقتسام خيرات الوطن مكتفية بالهيمنة اللامشروعة على تسعين في المائة لنفسها ، وما بقى  تَخُصُّ به صاحب الشأن في الأول والأخير الشعب لإسكاته بالقشور . الحنين يزحف اليه مَن يود امتحان ماضيه وإن كان محقاً في اخلاصه مناضلاً ، ذهب به عشقه لمدينةٍ علَّمته معنى الرجولة وقيمة التضحية من أجل تأييد مطالبها ، لتظل في شموخ َّ واقفة كحاضنة لمن فضلوا التمسك بالشرف ، وما نصح به السلف ، وصيانة العرض الغير قابل للتلف ، فكان مهما تقاذفته الأيام بين بعض دول المغرب العربي أو الشرق الأوسط أو اوربا أو أمريكا أو أستراليا ، حمل بين وجدانه ثلاثة ، الله جلَّ جلاله ، ولحدٍ ما تلك المدينة و المستحقة التقدير  المرحومة زوجته كما تضمَّن ذلك كتابه المنشور .

... تقبَّلت مدينة القصر الكبير الأمر الواقع على مضض، مُعتبرة إياه مرحلة وستذهب لحال سبيلها عن رضاها أو كُرْههاً ، ما دام محصول الحاصل ، تكوين الذين في حاجة إلى تكوين من شباب المدينة ، مهما كان المجال القائمة عليه المصلحة العامة ، والتدريب العام  لعموم العامة المباشر ، للتعاطي مع ثقافة تحترم توابث الغير ، وتزكِّي الوعي لدى هذا الغير ، بما يَحْدُث بعْدَ الضفَّة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط ، مِن انسجامٍ مع متطلبات العصر ، الفارض على نُظُمِ الحُكم الاهتمام الايجابي بحاجيات الشعوب ، وقيادَتِها للعيش كما يحلو لها ، تحت قوانين تنظيمية تعطي لفاقد الحق حقه ، في تلاحم مع طموحات جماعية ، تسعى لتوفير ما يساعد الأجيال المتلاحقة عبر الزمن ، عما يجعلها قادرة على الالتصاق بحب الوطن ، ما دام هذا الوطن متحمِّلاً عبر مؤسساته المختارة ديمقراطياً ، مسؤولية حمايتها والدفاع عن كرامتها وإنسانيتها ، مهما بلغت التحديات المعاندة مِن حدَّة . ولقد فطن المحتل الإسباني أثناء حكمه لشمال المغرب ، بذكاء القصريين وبكونهم ليسوا بالمادة الخام اللينة التي يسهل طيها تحت إرادته ، فعمد لوضعهم محل التعامل بندية ، أسفرت عن تأسيس توافق ساهم بالخروج والجميع شاعر بارتياح مبدئي بقرار ، أن مدينة القصر الكبير يجب أن تكون مانحة الدليل عن تعايش أنساني بين المحليين والمتقاطرين عليهم من مواطني اسبانيا أكانوا نساء كاشفات وجوههن أو رجالا مصاحبين عاداتهم . ولأول مرة يشهد الشارع المكوِّن لنواة المدينة ، مناظر شكَّلت تحوُّلاً متقدما لتعايش أنساني فاق كل التصورات ، بتجوُّل نساء إسبانيات مصبوغة بشرتهن بمزيج الأبيض مع الأرجواني ، لابسات ما يُعطي لجنسهن اللطيف أنوثة ترافقها الرِّقة ، وتظللها الأناقة ، وتتقدمها اللَّباقة ، ولا أحد يضايقهن لا من قريب أو بعيد ، ولم تمر فترة حتى تعوَّدت المدينة على سماع خبر عقد قران أحد القصريين باسبانية من الجزيرة الخضراء ، وتلك بداية لتعلق المحتل في اشخاصٍ منه ، في الذوبان ببيئة عثروا فيها على الهدوء الروحي والعيش معه ، طبيعة الحياة البعيدة عن صخب عُبَّاد المادة .

... مسألة العمود الفقري لكل تنمية فكرية ، بالنسبة للناشئة الممثَّل في التعليم ، تَحمَّلَ مسؤولية توفيره أهالي المدينة ، في تضامن وَفَّرَ ما يكفي لوضع لبناته الأولى بشقه العصري ، كمدرسة مختصَّة بتدريس المواد الدينية جنبا لدنب مع مواد أخرى ، كاللغة العربية والجغرافية والتاريخ ، ببرامج تلقِّن الأطفال ما يترعرعون معه وهم مدركون المعنى النبيل لحب الوطن ، والتفكير المتصاعد في تقوية آفاقه ، بما يجعله بين الأوطان طليعة الطليعة ، مُصان الجانب مسموع الكلمة مستقل في اتخاذ ما يناسبه من مواقف وقرارات ، وقبل تلك الخصال الحميدة من تربية محمودة ، التمكُّن من جعله دوماً مستقلاً غير خاضع لأية قيود أجنبية ، تنسيه ماضيه الحافل بالأمجاد النيِّرة ، فكانت المدرسة الأهلية الحسنيَّة  الكائنة متصلة بالجامع الكبير ، في زقاق وحيد المنفذ مُحتَرَم ممَّن يلجه للزيارة ، كمعلمة تضفي لما وصل اليه القصريون من عناية لتعليم ابنائهم ما يؤهلهم مواكبة متطلبات المستقبل ، من عقول مشحونة بعلم نافع ، يدير ما يأتي به المستقبل مِن وسائل تحتاج مَن يحركها ، وينتج من ورائها مغانم الرقي والازدهار ، فكانت المدرسة المذكورة  أول خطوة صوب افراز جيل عرفته مدينة القصر الكبير كواجهة عرفان ، ساد كل الميادين مستمرة في اشعاع مدخرات كنوزها المتحركة مع تعاقب الأعوام  كعقولٍ لرجال ونساء ، محافظة على خصوصيات القصر الكبير وهويتها المميَّزة الدائمة الحضور ليوم النشور . والمدرسة تعني هؤلاء المدرسين الأجلاء ، الذين قبلوا للإشتغال بالقليل لينعموا بالكثير من حب الناس وتقديرهم ، وفي ذلك ثروة تفوق قيمتها قيمة المال مهما بلغ ، وعلى رأسهم الفقيه "المتْني" والفقيه "الهاشمي" والأستاذ عبد المالك السفياني الموظف آنذاك ببلدية القصر الكبير إبان الاحتلال الاسباني . 

مصطفى منيغ

سفير السلام العالمي

مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدني – أستراليا

aladalamm@yahoo.fr

212770222634

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء 12

 

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء 12

القصر الكبير : مصطفى منيغ

الحنين وسيلة لاستحضار ما مَضَى من ماضِي امرأةٍ أقامَها الجمال أثناء ربيع العمر في قصر الرَّغبة الطائشة المُهْدَى لها كلاماً كلما صادفت في الطريق عيني ذئب يفضحه اللعاب المُسال من بين أنيابه تلمع استعداداً للقفز من مكانيهما لتقبيل رسمِ خطواتها من باب البيت الى المكان القاصدة إيَّاه قَصُرَ أم بَعُدَ عنوانه ، وقد أعادها خريف أيامها لكوخٍ ورثته ممَّن أوقعها في شباك أكاذيبه فأسقطها من نجمة سابحة في فضاء الحُسنِ إلى خادمة لإسعاد الآخرين واختلاس عرقها ليتجرَّعه صَهْبَاء ابن هانِئ ويتمادى في مجونه . الحنين لما وراء الزمن دون خلسة أو تحايل للوقوف على تهوُّر إنسانة حسبتها لحظة ثورة على الفقر والاحتياج حَلاً لاقتسام السعادة مع صاحب ثروة وإن كان مذموم الأفعال الحاصل بها على المال كمتاجر في المخدرات وله من ريعها على نطاق واسع أوكار متعة لاصطياد وتوريط المتعاونين معه من رجال سلطة تديرها مَن اختارته بَعْلاً فشاركها في ترويج سمومه ، لتجد نفسها مدمنة على شم "البيضاء" منها لتُصاب في عقلها وتسكن مستشفى الأمراض العقلية  أما رفيقها في الويل مقذوف (تؤنسه المآسي والأحزان وحسرة فقدان كل شيء) في زنزانة حبسه . الحنين فتاة ريفية صالحة اتجهت اليه عن شوق وألم لمشاهدة خطواتها الأولى على طريق حبها البريء الطاهر لشاب مثَّلَ (منذ لقائهما عن غير موعد) فتى أحلامها الورديَّة فبادلها نفس الشعور وتعاهدا على الوفاء والإخلاص وفي اليوم الذي عاد فيه من تطوان حيث اجتاز امتحان الباكلوريا رأى جوقة نحاسية يقودها صديقه الحميم عبد القادر ولما اراد مرافقته لاحظ منه نفورا ومعارضة على غير عادته في مناسبات سابقة مشابهة بالحالية فأصرَّ على المرافقة الى أن وصلت الجوقة تلك لدار حبيبته ومن حوله أصدقاء يبكون من التأثُّر إذ بالداخل أطلَّت موجهة الكلام اليه  صارخة أمام الجميع : زوجوني بصديقٍ لك لانك فقير وهو غني بثروة عائلته .

... القصر الكبير رغم تعرُّضها لمحنٍ جسام لم تتزحزح عن قيمها الأصيلة المتحضرة ، رامية وراء ظهرها تعنُّت بيادق عُيِّنوا لمراقبة حتى أنفاس نخبة من طليعة سكانها ، تاركة إياهم يتمرغون في غباوة صنيعهم الى أن التقفهم الاحتلال الاسباني ومكَّنهم من مناصب فضحت ما دأبوا على ارتكابه من مدة لتسهيل ولوج غرباء للمدينة ، في ظروف مشحونة بالقلق والتوتر والغضب من جو وصلَ بُعْده السلبي للمدينة المجاهدة مِن داخل المغرب ، حينما تهاون مَن بأيديهم زمام الأمور ، ومنها الدفاع عن الوطن مهما كان المانع . وما أن أطلَّ الاحتلال الاسباني على القصر الكبير حتى  أحسَّ الجميع بحجم الكارثة ، التي سبَّب فى حصولها حُكام العاصمة الرباط ، فما كان عليها الا انتظار ما تخفيه الايام المقبلة من مفاجآت أكانت خيرا أو سوءا. وحتى يجتاز المُحتَل مرحلة الحذر والخوف من انتقام الأهالي للتخلُّص من تلك الوضعية المُقيَّدة لحريتهم المعهودة ، التجأ الإسبان لخلق مناصب شغل عن طريق انجاز مشاريع عمرانية ضخمة ، مكَّنت مدينة القصر الكبير من استرجاع حلة ريادتها الحضرية ، والظهور بما يقربها للمدن المتكاملة المرافق المنظمة عبر ميادين تدنو كل يوم للتقدم والازدهار بأقوى الوسائل وأقومها على التغيير نحو الأفضل في جو من الاستقرار النسبي ، المُتحمِّل كل مشارك في ندبير الشأن العام مسؤوليته مُتجنباً الشطط أو الاستفزاز ، مما ترتب عن الفاعل ارتياح مبني على نظرة دكاء القصريين البعيدة ، ومضمونها التعلُّم واكتساب التجربة وامتلاك مقومات الدفاع عن النفس متى حلَّت المناسبة ، مما أتاح الفرصة حتى للإسبان للزيادة في تشييد معالم لعبت دورا كبيراً في طمأنة المعنيين أصحاب الأرض بكون الوجود الإسباني من أهدافه خدمة المدينة وسكانها ، خدمة لاستعادة الأمجاد المكتسبة ، المسلسل الحديث عنها في المدوَّن من كتب الإغريق  والرومان ، وهكذا شرعَ المحتل في بناء القاعدة العسكرية الأضخم بحي "باريو حارة" المهيأة لاستيعاب الجيوش الاسبانية المستقرة داخلها بما لهم فيها من منشآت سكنية وكأنها مدينة مصغرة مكتفية ذاتيا ، والغرض حماية المساحة الترابية المحتلة من طرف اسبانيا ، وأيضا البداية  في وضع البنيات التحتية لتشمل شطري "باب الوادي" و"الشريعة" معا ،  وبتصاميم وإشراف المهندسين العسكريين  تم انجاز وبناء محطة السكك الحديدية الرابطة طنجة بالرياط والمتضمنة أيضا الخط الواصل القصر الكبير بمدينة العرائش ، مع تشييد جسر "الكرمة" بين ضفتي نهر "اللوكوس" ، وفتح طرق على النمط المواكب ذاك العصر بين المدينة والواقع في المحيط المحتل من مدن وبعض القرى ومنها "تَطاَفْتْ" و"جَهْجُوكَة "و"القُلَّة" ، وبناء المستشفى المدني ، والمجزرة ، والقيام بالأشغال الكبرى المخصصة لجلب المياه الصالحة للشرب ، والمقبرة المسيحية ، واول مدرسة اسبانية عرفتها القصر الكبير ، وانجازات أخرى جعلت من القصر الكبير مدينة متوفرة على أسس استقبال المستقبل بما يليق من إضافات مماثلة لما تحقق دون توقف ، وهي كلمة حق من الواجب تسطيرها بما تعنيه أن ما بنته اسبانيا إبان احتلالها للقصر الكبير في عشر سنوات لم تضطلع الدولة المفربية في بناء ولو ربعه خلال سبعين سنة من الاستقلال ، والادهى والأمر من ذلك سكوتها الغريب عن إتلاف أغلبية تلك المعالم الرائعة التي حملت توقيع اسبانيا لتصبح دليلا ممنوحا عن مدينة القصر الكبير لمعرفة من ساهم في بناء أجزاء مهمة منها ومن ساهم في هدم مآثر كان المفروض أن تُصان ليُشيَّد بجوارها الأحسن منها ، لكن هو الانتقام من مدينة عُرِقت بقولها "لآ" وهي على حق ، مكان "نَعَم" المطلوب الإدلاء بها كأمر ، تعلم مُسبقاً بفائدتها العائدة على الباطل لتقوبة مساره البعيد كل البعد عن احترام حقوق الإنسان

  مصطفى منيغ

سفير السلام العالمي

مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدني – أستراليا

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء 11

 

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء 11

القصر الكبير : مصطفى منيغ

الحَنِين ليس الحَنَان ، إن تقارَبا في الحروف شكلاً وعدداً ، تباعَدا في المعنى مضموناً مُتَجَدِّداً ، الأول إنعاش الذاكرة لاختبار العقل ذاته  ، إن ظلَّ في مستوى الحُكمِ على التمييز (مع تقدُّم عمر صاحبه) بين أحقية الماضي المُسجَّل عليه مباشرة مشهدا ناطقا بعد مشهد في خزان خيال ، و ترميم عجز الحاضر بما يُهَيَّأُ لحظة بلحظة  لحسن الختام . أما الثاني فارتباط فطري بين الناتج وأصل الإنتاج ، يبقَى على حاله غير مُتأثِّر بمرور الزمن أو تغيُّر الأمكنة ، عاطفة تُحَسُّ ولا تُلْمَس ُ أو تُرَى ، تيارها غير المألوف بتصادم الايجابي مع السلبي ، بل لقاء بين الجزئي الحي بالكلي الحي ، قد يتحوَّل حنيناً إن ارتبط بحادث جميل يُراد الاحتفاظ به ذِكرَى عزيزة تنعش الخاطر وتريح اللحظة المٌعاشة ولو لدقائق تَرُدُّ الخيال لحقيقة مرحب بتكرار فحواها الغير قابل للتغيير.

... بعد معركة وادي المخازن المجيدة أتت على مدينة القصر الكبير مراحل وإن تَناسَى مَن تناسَى وقائعها وحتى المميزة منها ، حيث أُدرِجت من نُظُمٍ متعاقبة ضمن المناطق المحسوبة (عنوة) على غير النافعة ، لإسقاط معنوياتها في وحل من إجراءات ظالمة تمهيدا لإعادتها مجرَّد موقع سكني عادي ، كائن في سهل اللوكوس بعيداً عن مراكز الحكم المركزية المتربعة على مغانم ، تخدم بها استمرارية فتن لانفراد فريق بالسيطرة على مجموع الفرق الأخرى ، المتمردة (أحيانا) المنتشرة في جغرافية المغرب .

... ما يصل للناحية يكتفي بالوقوف في مدينتي تطوان وطنجة ومرات قليلة جدا في العرائش ، أما القصر الكبير فنبع خوف يتفادى البعض التقرب منه حتى لا يُصاب الأكبر فيهم نفوذا بداء الكرامة تقزم مكانته وتعيده فارغ النفع ، غير قادر على الأمر أو النهي . وصمدت غير منعزلة عن إشغال نفسها بما يضمن بقاءها ، من مجالات الفلاحة والصناعة التقليدية والتجارة والصيد من واديها الغني بنوع من السمك عز وجوده في وديان أخرى ، وقبل هذا وذاك الانكباب على التعلم وتحصيل الفقه على يد فطاحل الاختصاص المشهود لهم بالكفاءة . فتكونت الزوايا ومنها زاوية أولاد غيلان المؤسسة من طرف عائلة تحمل نفس اللقب أصلها أندلسي من مدينة غرناطة ، برز منها القائد المجاهد أبو العباس أحمد الخضر غيلان زعيم حركة الجهاد بمنطقة الهبط ، الذي استطاع ضم مدن تطوان وشفشاون ومعظم طنجة و تازة وما حولها من دواوير وبعض القبائل ذات الصيت تحت راية نفوذه ، جاعلا من القصر الكبير عاصمة له ، ممَّا جعل السلطان إسماعيل العلوي يشعر بجسامة خطورة هذا القصري الزاحف عبر مراحل لتأسيس دولة ، فلم يهدأ له بال حتى جمع حوله جيشاً جراراً كامل العتاد والعُدَّة ، اقتحم به بعد قتال شرس وعناء مضني  مدينة القصر الكبير ، لتتعرَّض (بعد قتل غيلان) لتخريب طال مجمل أرجائها ، ولتُلحَق بقائمة المغضوب عليهم بشكل متجدِّدٍ ، لولا عراقتها وصبر أهاليها على تحدي المتاعب القاهرة وتجاوز المصاعب المدمِّرة لاندثر حتى حسها ، لم يقتصر المشرفون على معاقبتها بحكم علني واضح ، بل تكتموا (ومن عوّضوهم) على الطريقة المُتبعة عبر العقود المتتالية ، لتذوب من تلقاء نفسها ، لكنها بقيت بواسطة أبنائها وبناتها جيلا بعد جيل ، تناضل بذكاء وتجلد ونكران الذات وتحصيل العلم ، وتخصين تاريخها الحقيقي من تلاعب قلة قليلة راغبة في الظهور لتُشكَر، ثم ليتبدد ذكرها كأنها فاصلة بين جملتين ، احداهما تتحدث عن ماضي وانتهى ، والثانية عن مستقبل الفائز فيه حق القصر الكبير فيما قبلة من حاضر .

... إلى أن حل الاحتلال الاسباني بسبب ضعف هؤلاء الحكام ، و تقصيرهم البيِّن في تحمل مسؤولية الدفاع عن حوزة الوطن بما يبقيه بعيداً عن مثل المأساة ، الجاعلة غرباء أسبان بصلون حتى القصر الكبير في راحة وبغير خسارة كبيرة  تُذكر ، الاسبان الذين استولوا على المدينة وهم أعلم بما يتوفر لذى أهلها من بذور قابلة للزع ، ان وُضِع رهن إشارتهم ما يتطلب الأمر من إمكانات مادية ، كفيلة بالسقي ومتابعة المراقبة المنتظمة طيلة مرحلة النمو ، كأول خطوة لانبعاث مدينة بعد سبات عميق فُرِض عليها فرضاً.

  مصطفى منيغ

سفير السلام العالمي

مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدني – أستراليا

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء العاشر

 

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء العاشر

القصر الكبير : مصطفى منيغ

الحنين نافذة تُطِلُّ منها الراغبة في زيارة مطوّلة أو خفيفة ، لبستانٍ أشجاره أفعالها السابقة ، بأدقِّ جُزَئياتها المعقَّدة أو البسيطة ، وأزهاره تصرفاتها العامة أو الحميمية ، وعشبه اندفاعات نفسانية تلقائية ، أو مُخطَّطَّ لها دون فرضها واقعاً بأدوات متحركة ، لتنتقي ذكرَى عزيزة لديها تعيد خيالها مرات تلو مرات و تٌفرِح خاطرها بتخيُّلها والدنيا لها مبتسمة ، أو تتهرب بالقفز على جزء عاشته أورثها مأساة عاتية ، تزعج اللحظة الملتصقة بها لعنة تطاردها آنياً وهي ما عليه من مستوى اجتماعي رفيع وحياة تبدو ظاهريا هنيّة ، ومهما تصنعت الابتسام قسمات محياها تعبر عن أزمة حقيقية ، مثلت ولا تزال نقطة سوداء في جغرافية حياتها تجعل منها السعيدة الشقية . الحنين منزِلة لمَن صَفَى ماضيها (في مجمله)  للطبيعى المُباح الحلال وتدرَّج حالها مع خُلق الحياء عن تربية ، الطهارة قاعدتها والايمان قائدها صوب التخلص من جاذبية الدنيا الفانية ، إلى التمتُّع في الدائمة بصفة الراضية المرضية ، الحنين مرصود لمن  يطاردها كابوس فعل شنيع يمزق غطاء ليلها ويرقِّع دون جدوى عراء نهارها وقد هوت لحضيض الشيطان المُزين المحذور لضعيفات النفس المتطلعات لمعاكسة الأقدار بكسب حرام وانجرار خلف المعاصي ببيع لحمهن الحي لمتصيدي اللذة الممنوعة شرعاً و فانوناً دون هوادة .    

... مدينة القصر الكبير مَثَّلَها عملياً داخل المعمعة الشيخ أبو المحاسن يوسف القصري ، الذي تولى جناح الميسرة  قائداً لأعداد من القصريين الناشدين الانتصار على الصليبيين ومَن معهم من الخونة (وعلي رأسهم السلطان محمد المتوكل بمجموع خمسمائة من الفرسان التابعين مباشرة له) أو الاستشهاد ، فكان دورهم في ذاك الجناح القتالي المُخصَّص لهم ، دورا حاسماً برز فيما أطهروه من اتقان لفنون القتال ، واعتمادهم على إرادة متشبثة بنور الإيمان ، المشع بطاقة الحق في الانتصار ، وفاء للعهد الذي جعلوه وديعة مخزونة في ضمائرهم ، يؤكدون به انتسابهم لمربِّية المجاهدين عبر التاريخ مدينتهم القصر الكبير ، لذا والتحاما مع سائر المقاتلين أكانوا من مراكش ونواحيها أو فاس و القريبين منها ،  أو سوس بمختلف جهاتها ، حققوا المرجو منهم ، في مدة زمنية لن تتعدى الستة ساعات ، هي عمر المواجهة بينهم والعالم الصليبي المُصاب بهزيمةٍ أرَّخها فرار المتبقين من جنوده المهزومين ، بمداد متجدِّدٍ سواده عبر القرون ، لتوضيح موقع القصر الكبير لوضعه في ألبابهم السد المنيع القاهر سيول غدر الطامعين في امتلاك أرض المغرب  ، الحاقدين أنذاك على الإسلام والمسلمين .

... اليوم سيطر الفتور على الناحية قصد تعويض نسيان ما يدعو محورها القصر الكبير للافتخار ، بدفع الأخيرة لاستخراج أسلوب مُبتكر قد تعتمده القوى الحية للمدينة لاستعادة ما يخصها من ملحمة خلدها القدر ملتصقة باسمها ، وما الانجاز العظيم سوى التحام بين السبب والمُسبِّب عن رؤية وتخطيط وما بينهما من ارادة نابعة من مكان الحدث وبمباركة زمانه ، وكما دافعت القصر الكبير في وادي المخازن عن الاسلام والمسلمين مهما كانوا عبر الدنيا ، ستدافع في مرحلة ما عن تاريخ القصريين الحقيقي ، أينما حل بهم مصيرهم عبر القارات الخمس ، التاريخ المُحتِّم على قارئه الاعتراف أن المَدَّ بامتداد الإهمال والإقصاء له حَد ، وقؤيباً ستبدأ المحاسبة التلقائية ، ومصدرها نفاذ صبر العقلاء وانتهاء العمر الافتراضي لعدم الاكتراث .

        مصطفى منيغ

سفير السلام العالمي

مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدني – أستراليا

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء التاسع

 

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء التاسع

القصر الكبير ك مصطفى منيغ

الحنين استشعار عن قرب أو أي مسافة أخرى ، لا يحتاج للضغط على زرِّ آلةِ تَحكُّمٍ عن بعد ، او وسيلة مُبتكَرة مستقبلاً أكثر نجاعة للتمَكُّن مِن ذلك ، بل بأمر صادرٍ عن عقلٍ لتتحرك الذاكرة وفق المكان المحدَّد والتوقيت المصاحب الحدث المطلوب للحضور ، رؤية واضحة أمام الراغبِ في فحص ملفه السري بينه وبين نفسه ، لغرضٍ هو أدرَى به يعيده للحظات حبور ، أو الخوف من عذاب القبور . الحنين استئصال فكرة الوحدة للإنفراد بالضياع لتغلُّبِ اليأسِ وانتهاء الأحاسيس للنفق الضيق العديم المخرج ، و بالمقابل تمكين الانفراج مِن فسحة التأكيد أن لكل متحرٍّك عاقل فرصة التعلق بالأمل ، على ضوء استقراء فحوى المُسُجَّل في ذاكرته منذ وعيه أنه مخلوق عاقل ، إلى آخر رمشة عين له في الحياة الدنيا. ... القصر الكبير مدنٌ في مدينة ، أطنان تفوق أى وزن للأوزان ، من ركام هدَّ صمود وقفاتها قصوراً الزمن ، وأساطير لا تُحصَى ترويها الأيام لشقيقاتها عبر الكثير من الأعوام ، وهبوب أعثى الرياح ناحتة أصداء حياة بدائية على بساط بسيطة تبدلت ألوانها عبر عصور ، بمشي ملايين المخلوقات العاقلة والغير العاقلة ، غابت قبور اغلبيتها من بشر ، لتُدفن مرات فتستقرَّ في باطن باطن الأرض ، وعلى التنقيب مسؤولية تحديد الطبقة التي ترسو عليها المدينة ، بعد كل تلك الحقب غير المحصورة لحد الآن بعلم مختص ،  ما دامت القصر الكبير مُعرَّضة لعدم الاكتراث الرسمي ، لدرجة لا تقتصر على إهمال وتهميش ما لها وما عليها ، بل التخلي شبه المطلق عن المعرفة القادرة على التأكيد لمن لم يتأكد بعد ، أنها من أولى التجمعات السكنية ، التي عرفتها المنطقة قبل تأسيس  الدولة المغربية كدولة بمراحل . ولو كانت الأخيرة تسعَى لتنمية مدينة ، لبدأت بمن تملك مقومات احتضان ذلك منذ مدة ليست بالقصيرة ، لكنها اهتمت بغيرها ممن تُذَكٍّر أن التمدُّن والتحضُّر انطلق فيها ، منذ وجود فئة حاكمة كل مثقال نماء ازداد فبفضلها ،  فئة اعتقدت أنها التاريح بماضيه وحتى مستقبله . ومع ذلك استطاعت القصر الكبير الوقوف على رجليها والفضل عائد لما ورثته مما بذله رجال ونساء منحوا حياتهم كلها لبناء طوبة طوبة ما تزخر به من أسس قابلة للبدء مع مرحلة الازدهار ، متى عمَّ الانصاف كل الربوع ، بتوزيع الثروة الوطنية على الجميع ، وأيضا قابلة للتعايش مع الأدنى الذي تنتجه اعتمادا على نفسها دون الانبطاح أو بيع كرامتها مقابل تطبيق سياسة القوي بالباطل ، للتحكم في الضعيف المُذل . علما أنها أسقطت الانبطاح والذل من قاموسها، مستبدلة إياهما ب :"النِّد للند والكل بعد التسعة أشهر هم مواليد" .

.... القصر الكبير المدينة استوعبت جيدا وبسرعة قصوى المطلوب منها لإنجاح معركة الفصل  المصيري بين مرحلتين من أجل هدفين ، مرحلة الاختيار عن قناعة الانسجام مع حكم سلاطين فرقت بينهم الأسماء العائلية ومصادر الانتساب الحقيقية ، وأحيانا تطاحنات شجعت الغرباء من الضفة الشمالية للأبيض المتوسط ، للسطو على مدن مغربية كسبته و مليلية و طنجة وأصيلا ، أو الالتفاف حول  شرفائها من فقهاء لهم التقدير والاحترام ووجوب سماع نصائحهم المنظِّمة لمشاغل حياة مواطنيها اليومية ، والهدف الأول من وراء ذلك البقاء على حياد ايجابي اتجاه هؤلاء السلاطين الذين كان نطاق اهتمامهم (خلال مراحل معينة) يتمحور حول مدينتي مراكش و فاس ، وما يحيط بهما من قبائل لها مقراتها الموزعة على عشرات الدواوير أو القرى ، فاقدة التنسيق فيما بينها ، تابعة لمن يحميها ويجلب لها حقا من غنائم معينة معروفة الوسائل المستعملة من طرف روادها بعض حكام طامعين في توسيع نفوذهم مهما قدموا من أجل ذلك ، كالخيانة والارتماء بين أحضان اتباع الكنيسة المسيحية ، أما الهدف الثاني مبتغاه التنفيذي منسجم سيكون مع أول حدث قادر على التأثير الواصل بَعْدَ المساحات المحلية الوطنية تلك الدولية ، فكانت معركة وادي المخازن المحسوبة ليس عما سبق وحسب وأنما على واقع مستقبلي يفرض اسم القصر الكبير كمحطة تحريك محور التغيير القاصد الاطاحة بالطالح من أجل ترسيخ الصالح ، الضامن الانطلاقة المنشودة لغد الكرامة والعزة والحرية ورفع راية التعايش بين الخَيْرِ والخيِّر ، والارتقاء بأي نظام حكم جديد ، من السيطرة القاهرة ، إلى التدابير النيرة ، قوامها العدل والمساواة واحترام حقوق كل إنسان ليتمكَّن من القيام بواجبه . 

  مصطفى منيغ

سفير السلام العالمي

مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدني – أستراليا

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء الثامن

 

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء الثامن

القصر الكبير : مصطفى منيغ

الحنين التفاتة لتقييمِ ما مضَى وتصفيةِ الصواب مِن الأخطاء عن طريقِهِ لاستجلاء مَا جرَى في توقيت لا يكون النضج قد تمكَّن مِن عقلٍ طرِيِّ التجربةِ حيال وضعية بحرٍ من المتناقضات وهيجانه واحد والاتجاهات الكثيرة وجلها ملتوية . قد لا يروق تحصيل الحاصل  ، كما لا يجوز تغيير ولو ذرة من الراسخة كأفعال ، ساير بها شاب طموحه الخالي من التدبير الأنسَب ، فالتسرُّع ليس إدراك الحاجة بسرعة ، بل طمع في ربحٍ وقتٍ ينقَلِب لضياعه ، إذ لكل تأسيس قواعد زمنية تلازم أهميته كقيمة وجودة وبالتالي ايجابية النتيجة ، قد يقرب الطيران على علوٍ ما  ، المسافة بين نقطتين وكلما ارتفع قَصُر معه أوان الوصول ، لكن مصاريف ذلك تزداد فلما احتيار الأسهل المُكَلِّف على نفس الأسهل القليل التكلفة ، ما دام الهدف واحد المحدد في الوصول ؟؟؟.

... مدينة القصر الكبير استعادت وهج مكانتها كالماضي التليد ، مربوحة هذه المرة ، بالتضحيات الجسام المُقدَّمة لصالح المعركة المباركة ، تلقت الرسالة من مراكش فاستعدَّت أحسن ما يكون الاستعداد ، نِسَب المتطوعين فاقت أقصى طَلَب ، الراغبون في الاستشهاد غير مقيَّدين بالرفض أو القبول ، كأمواج بحر لا تبحث عن ترخيص إضافي بالارتطام مع أي حاجز ، إذ مهمتها إرضاء خالقها بتأدية المأمورة به لا أقل ولا أكثر ، وهنا تجلَّت حسنات تكوين الناشئة على وضع ما تلقنته من تعاليم تُقدِّم الجهاد في سبيل رفع كلمة الله أكبر في وجه الطغاة مهما كانوا ، لذا لم يجد السلطان عبد المالك السعدي (الحجازي الأصل ، الهارب المُنعم عليه من طرف الأتراك ، الذين كان لهم الفضل  ليدخل مدينة فاس على رأس خمسة الآف جندي منهم استقدمهم من الجزائر، كانوا الأساس لاستعادته حكم المغرب)   بوصوله لمدينة القصر الكبير ، الا بما يعجِّل انتصاره على الملك سان سبسطيان ، ومساعديه الايطاليين والألمانيين والأسبان ، الزاحفين دون استئذان ، تحت راية الصليب بامر من رهبان الفاتكان .

... لحد الساعة لم ينصف التاريخ في هذا الشأن مدينة القصر الكبير ، لأسباب لم يكن صعباً استكشافها ، ومن أهمها التفكير في بعض مدن أخرى ، وجد من وجد سهولة الاستحواذ على مقامها ، ليكرِّس وسطها مخططاته ، الرامية لكسب اعترافها المطلق ، بإرادته في امتلاك أجود ما فيها من أراضي ، واستغلال أنجب ما لديها من عقول ، قادرة على ضبط استمرارية مفعول تلك التخطيطات مرحلة بعد أحرى ، دون التفات لحق ما للشعب فيها من أفراد أو جماعات ، وجدوا أنفسهم محصورين بخدام ألفو التعامل بالباطل مع الباطل ليغنموا ما غنموه بالباطل . مدينة القصر الكبير ما كانت لتقبل بغير الضامن لحقوق الانسان ومنها الاختيار بحرية ، للحفاظ على مكتسباتها المزكية من طرف التاريخ المصنوع بسواعد أبنائها وعرق جبابهم وأحيانا ما سُفك من أجسادهم دماً زكياً طاهراً وهم يدافعون عن الكرامة والعزة ونصرة عقيدتهم السمحة ، ومَن يدعي أن للمدينة مؤرخ ، أن يراجع نفسه وينتقل مثلي إلى اليونان وعاصمتها أثينا ويطلع مباشرة عما يجعله متأكدا أن القصر الكبير لها تاريخ أكبر بكتير مما يقتبسه البعض من روايات رسمية تمر على الأحداث الحقيقية مرور الكرام  ليس لها من القصر الكبير إلا القشور ، ويستحضرني ألان ذاك النقاش المسؤول الدائر بيني والراحل محمد بوخلفة ، ساعتها رئيسا رائعا مخلصا وفيا لمجلس بلدية القصر الكبير ، وأنا موظفا ككاتب إداري خاص بعامل (محافظ) إقليم(محافظة) تطوان السيد معمر اليعقوبي ، بمناسبة الانتهاء من مراجعة كتابه "الطريق لمعرفة القصر الكبير " ، حيث ذكرته بالتفكير في تأسيس جمعية محلية تهتم بدراسة تاريخ القصر الكبير من جميع زوايا مراحله ، والاستئناس في الموضوع بالمدون في كتب لها مصداقيتها ، منتشرة في خزانات بعض عواصم الدول ذات الارتباط بالموضوع أكانت أثينا أو برلين أو روما أو انقرا أو مدريد أو لشبونة ، للخروج بسلسلة من كتب تعيد للمدينة هيبتها ومكانتها من الاستثمار الثقافي العالي المستوى ، طبعا وعدني بالعمل انطلاقا من مسؤوليته كممثل لسكان القصر الكبير المستحقين انجاز كل ما يخدمهم وعلى رأس ذلك توعية الجميع بفحوى كنز لا يقدر يقدر بثمن ، لم يختزنوا منافعه (أبا عن جد) لأنفسهم فقط وإنما للإنسانية جمعاء .

مصطفى منيغ

سفير السلام العالمي

مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدني – أستراليا

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء السابع

 

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء السابع

القصر الكبير : مصطفى منيغ

الحنين مرآةٌ عاكسة أقوالٍ اتُّهِمَ المستعين بها للإطلاع ثانية على التسجيل الحي لتلك النَّدوَة ، تركيزاً على مداخلاته إن تخلَّلتها ما يُغضب جانباً يفكِّر في توجيه دعوَة ، لبيادق مرتزقة أُجْرَتُهُم المُرتفعة تغْني عن التعمُّق في الأسباب بل تَنفيذهم أَعْمَى مُنْتَهِي اعتماداً على قانون الغاب بلا أحدٍ سَمَعَ ولا آخر رأى ولا قادرٍ على ترديد كلمة في الموضوع  أكانت قاسية أو نَغْوَة ، الحنين ملجأ مَقرّه سابح بين الذاكرة والعقل الباطني وحواس الإدراك سفراء روح إنسانٍ لضبط الممكن المباح متى امتثل إيمانه لِقَدَرِهِ والتزم الصبر على مُعرياتٍ مفاتنها في فتنة شرورها إذ لحظة من انغماسٍ في لذة من لذاتها ابتياعُ لشقاء العمر كله وانتحار في أقربِ مَطوَة .

... مدينة القصر الكبير مرفوع جزء منها على أكُفِّ القلعة الرومانية " أبيدوم نوفوم" (المدينة العامرة)  عرفت من الأجناس ما مكَّنها من تجربة انسانية قادَتْها عبر عصور لتأسيس ثقافة التعايش بين بني البشر أكانوا الوافدين عليها من أوربا أو الشرق لا فرق ، مكونين عُنصراً تتجلَّى فيه أسمى إقبال على حياةٍ ، سُلطَتها القوة ساعة الدفاع عن النفس والمكتسبات ، وركائزها تعمير أرض تمتاز عن المتروكة في اليونان أو لبنان أو الطليان ، بتربتها الخصبة ، وهوائها المعتدل ، وتوفر المياه ، والطبيعة السمحة الحافظة على التوازن الجوي خلال مواقيت محددة ، تعين على التنقل والزرع وتربية المواشي وتملُّك مواقع لمناشدة البقاء ، ممارسة للحرية  ،وتمتُّعاً بالإنصاف ، والتعامل دون تفريق بين أبيض أو أسود ، وهذا قوِي لأنه رجل وهذه ضعيفة لأنها امرأة ، ومع توالي القرون وتجدد الأجيال تكوَّنت عقلية محلية محافظة على الجذور ، ومتفتحة على متطابات العصور ، ممَّا جعل القصر الكبير نموذجاً يُحتذا بتجربة المنتسبين إليه من عهود لم يبق منها غير الاسم وعدة أطلال مُهملة بفعل فاعل إلي ألان ، في استرسال آدمي متحضِّر النشأة لا نظير له ، ومتَى حلَّ موعد شَهِير مع حدث أشهر شهرة ، للإفصاح عن أسئلة امتحان عسير ، لا جواب عليها جميعها لضمان النجاح مع الامتياز الممتاز المعزَّز بمرتبة شرف الشرف ، سوى "الانتصار" والقاطع إن شاء المُحِق في التعبير عمَّا جرى في ذاك اليوم 30 جماد الآخرة عام 986 الموافق 4 أغسطس سنة 1578 ، حيث ملحمة معركة وادي المخازن ابتدأت لتنتهي بقيادة عبد المالك المعتصم بالله السعدي الحسني ، كما أرادتها القصر الكبير ، المتحمِّلة العبء الأكبر من الاحتضان و التنظيم والإعداد والتجهيز لها ، وما ترتَّب عن ذلك من مسؤوليات الإيواء ومعالجة المصابين ،  واهم مما سبق المكانة التي أصبحت تشغلها على الصعيدين الوطني والعالمي ، وما تلى ذلك ولأعوامٍ طويلة ، من توسعات مهما كانت المجالات ، عقارية أو اقتصادية أو سياسية  ، ممَّا عرَّضها لمضايقات ما انتهت ، ولحدِّ الساعة يُنظَر إليها بحذر كبير من طرف جملة من حكام ، على توالي الأيام ، لا يرتاحون لذكاء ونبوغ القصريين جملة وتفصيلا ، إذ يكفي القليل منهم لتبديل الحال الى أحسن مآل ، بما يتوفرون عليه من عقول محشوة بلب العلم مهما كانت فروعه ، ومعرفتهم الدقيقة المتكاملة لتاريخ مدينتهم ، ليس المتداول بين بعض المقتبسين من هناك وهنا ، ويقولون هذا إنتاجنا ، بتوجيه مباشر من السلطة ، ولكن التاريخ الحقيقي حيث الوقائع كما وقعت ، ومن كان وراءها من مناضلين شرفاء ، مهما قابلتهم من مشاكل ، ناتجة عن جرأتهم في الصدع بالحقيقة ، خدمة للحق ولا شيء سواه .

مصطفى منيغ

سفير السلام العالمي

مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدني – أستراليا

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء السادس

 

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء السادس

القصر الكبير : مصطفى منيغ

الحنين تموُّجات لِما وراء الرَّغبة في التقرُّب او التَملُّص لمَن فرضَ أشياء عن طيب خاطرٍ فارتاح لها متى شاء رجع للالتحام الحسي معها أو ندم ما دامت نِتاج طيش شباب لم يُقدِّر جزاء الغد لاندفاعه دون أن يدلي في الموضوع دَلْوَه ، الحنين فرار تلقائي لذاك الجزء البرَّاق من ماضي لتعيس غادٍ بعده لمحن حاضر أفقده المنصب والمال والعِزْوَة ،

... القصر الكبير ليست من المدن التي صنعَ تاريخها الحُكام ، بل أبناؤها والبسطاء مَن تركوا للتاريخ أن يسطِّر ما يزهوا به الآن من حقائق يحيي بها مَن أقلهم كان في هيبة ضرغام ، الحكام أخذوا منها ولم يعطوها شيئاً على مر القرون والعقود والأعوام ، مكَّنت مَن مَكَّنت منهم النصر وتوفير الأمان لهم ولمحيطهم منذ وفودهم عليها حتى رحيلهم مِن حيث قدموا او الى دار البقاء في سلام ، حتى الذين تركوا بصمة أو أكثر بعرق النكساء اندثرت جميعها ، وبقيت القصر الكبير عبارة عن أسماء شامخة لأحرار وحرائر حاول مَن حاول جاهداً طمس مخلفات أصحابها الفكرية النيرة ، لكن ذكراهم رافقتها الأزمنة ، وأحنَّ عليها الانصاف ، وحماها الحق ، ونأَى عنها العَدَم ، كل رُكنٍ فيها كتاب يروي قصة لبنة تلقي أحدهم مشعل الاستمرار على نهج السلف الصالح بنظام وانتظام ، مِن عصور الفينيقيين و القرطجنيين والرومان والمدينة رَسْمٌ لا يبرح مكانه فيه ومنه دوما تتقدَّم ، ومتى حَلَّ الحديث عن الحضارة كان فحواه الاعتراف الصريح أنها الأقْدَم ، ذاع صيتها والمدن المسماة بالعريقة عبر البلاد لا زالت في رحم الغيب قبل ميلادها بآلاف الأعوام ، فاستحقَّت لقب الجَدَّةِ الكبرى التي ما طرَقت الشيخوخة ساحاتها ولا عمَّرت رياح الكهولة عما بداخلها تَجَسَّم ، ولا قوَّضَ ظهرها استبداد أو إهمال بعض الحكام ، واقفة (سُمِع عنها) لتلقى أجوبة مَن حملوا فؤوس هدم شخصيتها حينما سألَت : "هل علمتم بهدف مَن أرسلكم ليسخِّركم مثل الأنعام ، ومتَى امتلأتم شحماً أذاب حقوقكم إتباعا فصرتم معيرة للأنام"؟؟؟ . وكم مِن مرَّة صَدَّت ذوي النيات السيئة بسلاح اقتصر عما قلَّ ودلَّ من كلام ، فالحكمة حليفتها والإقدام من شيمها ، والدفاع عن المتشبثة بها كقِيم ، من جاءها بالحسنى أغدقته بما عُرِفَ عنها من كرم ، ومَن زحف صوبها مُخفياً استغلال طيبوبتها منحته ما يريد ثم ساقته لفضيحة مرتكبها يكون ملعونا في دين الإسلام .

... مرفوعة الرأس عايشت مراحل مَن دأبوا على تحقيق طأطأته لكنهم فشلوا حتى في تبين السر فلزموا حدَّهم منتظرين الفرصة لشراء مَن يخون الأصل أو الملح أو الدم . فحصلوا على ما هو أهم ، ميلهم تلقائيا للتعاطف معها وقد رأوها متمسِّكة بالأقوام ، وتعلموا منها أن الوفاء مصدره الاقتناع أولاً ثم الالتزام على التبات ثانيا ثم اكتمال شروذ العهد ساعة وما بَعدَ الإبرام ،

مصطفى منيغ

سفير السلام العالمي

مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدني – أستراليا

القصر الكبير : مصطفى منيغ


وادي المَخازن وخلل الموازين / الجزء الخامس

 

وادي المَخازن وخلل الموازين / الجزء الخامس

القصر الكبير : مصطفى منيغ

الحنين تشخيص مُعادٌ (كل وقت) لحقيقة ثابتة تُطارد مؤلفها الغير قادر على تغيير ولو لمحة بَصَرٍ من شريطها الطويل أو القصير حسبَ حجم الحدث المُعاش في حينه يَظْهَر فيه صعلوكاً مترنِّحاً فاقداً توازنه بما تجرَّع من كحول أو رائدَ ثورةٍ مِن صِفْرِ استعدادها لبلوغها الذروَة ، الحنين استفسار ضروري لتوضيح الغامض لحظة تريُّث المُقدِم على فعلٍ تَذَكَّر وقوعه مِن قبل فسبَّب له عذاب الضمير ووصف عقله بالغباوة ، الحنين استعمال لطيف لتأخير التطبيق للإطلاع المباشر (على صُورِ الأمس حينما تعرَّف المَعْنِي بطَرْقِ عالمه الخيالي العاكس مجريات ظلت على حالها متحركة ناطقة في صمتها بالنسبة للآخرين) على مَن يتعاقد معهم اليوم  لشراكة تقتضي تبادل الثقة قبل اقتسام رأس المال ما دامت في المعاملات التجارية الكبرى لا مكان للصداقة أو الأخوّة ، الحنين انتقال لتجوال تلقائي مباشر مع أفعال مترجمة حرفيا لحركات ناطقة غير خارجة عن السياق المحدث لها لتلتصق مع فضاء التخيُّل الصادق التعبير عن دقة ما حصل زمنا ومكانا من طرف الباحث عن فتوى ، تجيز له ما ارتكب أو تصدمه بخروجه عن النص قانوناً وعُرفاً فيكره تلك اللحظات المنزوعة من تعقُّل غاب في قِصَرِ مُدَّة ليترتَّب الخطأ عن ضعف إرادة ومحدودية نظر امتثالاً لرغبةٍ عارضة مغرياتها الرَّخْوَة. ... وجدت مدينة القصر الكبير عدة مرات نفسها بلا معينٍ يُخرِجها من أزمات لم تكن في البدء طبيعية ، فكان المفروض تحمُّل ما يضايقها أو يؤخر (في أحسن الأحوال) تقدمها نحو ما تطمح اليه من عيش كريم ، قبل الاحتلال الاسباني غاب عنها ما يُخرجها من ضائقة الجمود ، المهيمن كان على محاورها السكنية ، الهائمة وسط فراغ نقلَها من نواة حضارة ضاربة في القِدم ، لها مع مدينة "لكسوس" ألف حكايةِ تنافسٍ مثمر ، تتخلله سعة عيش وتمتُّع بحرية ظلت مسؤولة ، تبني قواعد إنسانية الإنسان ، في تناغم بين ثقافات الفنيفيين والرومان ، وما أفرزته مراحل الانسجام من فهم أكثر لمتطلبات الحياة في سلام ، ليتبخر الكل ولا يبقى من شعلة الحيوية سوى رماد تطايره بين عصر وآخر رياح النسيان ، والخلاصة صِفْر جَذَبَ القصر الكبير لداخل دائرته لعلها تنتهي رويدا رويدا لأطلال تُعانق "ّشميس" و"تمودة" و"وليلي" ، لكنها حفرت بعبقريتها جدار الدائرة تلك ، لتنسلَّ ناشدة البقاء متحدية ضراوة الوافدين المعتمدين عما غنموه بشتى الوسائل ، أكثر أهمِّيتها كأقلِّها تمَّت بالغدر والضرب وراء الظهر ، فانتصرت لتصمد قائمة الذات مرمِّمة ما خرَّبه الدهر ، وشتتت اركانه زوابع الطامعين المُلوَّنين بصبغة جهاتٍ ألفت الإغارة لاكتساب المغانم والشهرة.

... ومع مرحلة ابتدأت دون تحديد تاريخ مُدقَّقٍ لعراقتها الغابرة لتستمر نقية السمات مميّزو المرامي والأهداف مشرقة التأثير الطيب الحَسن من خلال ما تأس في هذا المضمار من معالم التقوى خلال القرون الثلاث من 17 الي 19 ، الي مرحلة أخرى استرسلت من 1911 إلى سنة 1956 من القرن الماضي ، وجدت القصر الكبير مَن أخرجَها لتغتسل بنور الإيمان ، وتشمِّر على سواعد الاجتهاد الأمثل ، وتلبس ما تنسجه الطاعة الأبدية للرحيم القادر على تغيير المكان ، لزمن أفضل مما كان ، وجدت الإسلام هداية من رب الأكوان ، لتذوب في تنفيذ تعاليمه المفعمة بما هو أقوم ، للتمتع بحياة أسلم ، مصممة على المرور بالفانية نظيفة من إغراءات الشيطان ، إلى مقام السعادة الروحية لكل إنسان ، شرب من نبع الإيمان ، الصافي وتزوَّد من المكتوب له بالحلال المزين برضي الرحمان ، فعُرفت بمدينة الاولياء الصالحين الذين كونوا من التلاميذ ما استطاعوا إتباع السير بالمهمة الإيمانية إلى أن أعطت القصر الكبير مكانة الريادة في هذا الموضوع الذي ما بعده خير و زادها توقيرا وهيبة على مر السنين ، فتكاثرت الزوايا الموزعة بين شطري القصر الكبير الموحدين " باب الوادي" و"الشريعة" ، منها الأقدم زاوية "القنطريين" الكائنة في حي " المرس" وزوايا أُخَر ّ "البدوية" و"الدرقاوية" و "الكتانية" و"التيجانية".

 مصطفى منيغ

سفير السلام العالمي

مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدني – أستراليا

وادي المَخازن وخلل الموازين / الجزء الرابع

 

وادي المَخازن وخلل الموازين / الجزء الرابع

القصر الكبير : مصطفى منيغ

الحنينُ استرسالُ ترابطِ امرئ الوثيق بينه وماضي نِتاجه الطيِّب أو غير ذلك مهيَّا لاسترجاعه عن طلبٍ وليس عن استعلاء كمن له مكانة في الوسط أو نضوة ، الحنين أنيس وَحِيدٍ سَلَّمتهُ الوحدة لمَلَلٍ ثقيل الظل فارِس اليأسِ المعبَّأ بالقنوط واستنفار الدموع وصُداع الرأس وتجمُّد التفكير في وضعية لا تتغيَّر محسوبة على الشديدة الضراوة ، الحنين عودة للوراء للتفرُّجِ عما كان مصدر افتخارٍ لن يتكرَّر لصاحبه حيث انتهَى به ومعه إلى آخر المشوار دون تحقيق أي شيء يُذكَر سوى النجاة من الوقوع في أعمق هُوَّة ، الحنين سلطان الخيال للمتعوِّد على الانبطاح لمراسيم سادة له معهم الطاعة دون استفادة متَى غابوا تركوه دون قيادة تتقاذفه أرجل بلا هوادة فيُصاب مِن تلقاء نفسه بداء اللقوة ، الحنين واقع سابح بنسخته الوحيدة لكل حَدَثٍ على حِدة عبر ذرات المخ الباقية حيث بقيت ولو برحيل صاحبها لتكون الدليل عليه حيث انتهى لنعيم أو عذاب متجدِّد أليم مُخْتَرَق كله بسُرْوَة .

... قد تكون القصر الكبير المدينة الأكثر تحمُّلاً لعوامل مختلفة منها الشعور بتركها ومَن فيها منعزلة عن اهتمام السلطات المركزية المغربية ومن زمان ، وازداد مثل التصرُّف الغريب أثناء احتلالها من طرف الإسبان ، تأخذ منها الصبر وتُصدِّر لها عدم الاكتراث ، تصل لعاية "عرباوة" وتقفز عائدة للعاصمة الرباط ، هناك في القصر الكبير نفسها مَن أدركَ ليس السبب وحسب ، بل عمق أعماق هذا السبب ، المتَّصل أساساً بالعقلية السائدة الجاعلة من أبناء هذا البلد العريق الأصيل غير منحنين لاي جهة ما لم تعامل التعايش معهم الند للند ، عارفين بواجباتهم تجاه أي  مجال محلياً كان أو وطنيا ، إن تمتعوا بحقوقهم كاملة من طرف الدولة ، لكن الأخيرة اتبعت موقفاً لولا حكمة القصريين وتشبثهم بوطنيتهم لسببوا لها من القلاقل الشيء الكثير ، والفضل في تربيتهم الدينية علي يد فقهاء صلحاء شاع صيتهم العلمي في كل الأرجاء ، القصر الكبير مليئة بأضرحتهم الموقرة التي حافظ القصريون عبر العصور عليها مهابة كما كان أصخابها الأجلاء ، وانطلاقا من هذا المفهوم طالما كتبت وبلغات عدة " أن القصري قصري يبقَى ولو استوطن مثلى استراليا " ، هناك حنين لا تفتر رحلات السفر بينه وعقل أي منتسب صاحبه لهذه المدينة الفريدة ، حيث التعايش مضمون بين معتنقي المِلل الثلاث ، وحتى ما بين الإنس والجن ، حيث للجنس الأخير أمكنة معينة لهم فيها مقام عمَّروه منذ الآف السنين .

الاحتلال الاسباني فكر مِن اول وهلة ملأ فراغ التفاهم المسيطر كان بين المدينة والسلطات المغربية الرسمية المركزية ، لكنه أُبعْدَ عن شأن لن يرضَى أي قصري أن يُحَلَّ بواسطة مُحتلّ منبوذ ، مستمرة بأبطالها حفدة شهداء معركة وادي المخازن ، بهدف طرد هذا الدخيل الذي لولا ضعف تلك السلطة المغربية المركزية لما عرفته هذه المدينة الشريفة ، وما دنَّس طهارة تربتها بالمشي فوقها متباهياً بنصر لا طعم له ولا رائحة ، أتَى به ظرف لن يطولَ لتعود الأمور لمصيرها بيد القصريين بمشيئة الرحمان ، وإصرارهم على أخذ حقهم اعتمادا على النفس .              

 مصطفى منيغ

سفير السلام العالمي

مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدني – أستراليا

وادي المَخازن وخلل الموازين / الجزء الثالث

 

وادي المَخازن وخلل الموازين / الجزء الثالث

القصر الكبير : مصطفى منيغ

الحنين وثبة تفوق سرعة البرق لمعجزة الخيال التي أنعم بها الباري الحي القيوم ذو الجلال والإكرام على بني البشر تنفعهم في خَلْوَة ، تخص كل فرد منهم متى لزمها للبث في أمْرٍ اتقاء بَلْوَة ، فينقد نفسه إذ التكرار على نفس النمط الفائت إن وَقَعَ حرمه (لمدةٍ) السُّلْوَة ، الحنين صدى صُورٍ يجلبها الشوق مكمولة الهيئات تعانقها أحاسيس مَن كان السبب (ذات تاريخ) في تأسيسها لتُنْقَشَ في صحيفة أعماله إلى يوم النشور قد تؤرقه مضامينها أو تملأ خاطره نشوَة ، الحنين ترخيص تلقائي للإبحار في عالم حاصل في زمن ماضي من عمر إنسان تَضَمَّنَ حَدَثاً مُفرحاً أو مُقرحا طبعَ مصيره المُرْتَقَب براحة أبدية أو شَقْوَة ، الحنين رؤية خاصة لمَن دَبَّر وقوعها في سابق مسيرته العمرية لا تُرَى لغيره لكنها مُحْضَرَة يوم الحسابِ تثقل كفَّة سيئاته أو حسناته لميزان الامتحان النهائي المكتوب اجتيازه كآخر خطوة ، صوب نعيم الجنة أو سعير جهنّم في خلود ليس له نهاية إذ لا زمان خلاله يعد ما فات أو بقي فقط استمرارية محاسن الطَّرَاوَة .

... لأمرٍ ما اختار الاحتلال الاسباني مدينة القصر الكبير لإقامة أكبر قاعدة عسكرية ، تحتضن قواته وكل مرتبط ببقائه ماسكاً زمام السيطرة على شمال المغرب الشاسع المساحة ، القصر الكبير وليس تطوان لاعتبارات استراتيحية أقرَّ ترتيباتها المتعلقة بتسخير الطاقات البشرية الأهلية الأكثر ملاءمة حسب تصوره ، لمسايرة مرحلة التمكن من الاستقرار الأولي لوجوده كجسم دخيل غير مرغوب في منطقة تربَّت على وقع انتصار معركة وادي المخازن العظيمة ، التاركة في نفوس القصريين خصوصا ، روح الوقاء لماضيهم الكفاحي المجيد ، المتوارث لديهم جيلاً بعد جيل ، ممَّا جعلهم أكثر تحدياً لمن يعمل على تقييد حريتهم ، أو المس بأعرافهم وتقاليدهم ، وقبل هذا وذاك عدم احترام عقيدتهم الروحية الملتحمة أشد ما يكون الالتحام مع التعاليم الاسلامية ، والمحتلّ الاسباني رغم المجهودات الكثيرة التي بدلها لإعطاء صورة المساعد على ضمان حياة أكثر رخاء ، لهؤلاء المتعصبين لمغربيتهم ولا يقبلون عنها بديلا ، رغم تلك المجهودات الجاعلة من مدينتهم تشهد نهضة عمرانية غير مسبوقة ، وتنظيماً خدماتياً مفيداً ومريحاً ، لم ينجح للحصول على ود اغلبيتهم ، بل هي نسبة ضئيلة رأت مصلحتها الضيقة في وضع يدها بيد المحتلّ الغاشم ، بنية السيطرة المغلفة بالحصول على منافع ذاتية ، مكَّنتهم من امتلاك قطع أرضية ، والفوز بانضمامهم لقائمة  أعيان المدينة  المفضلين المتمتعين بالأولوية بالحاقهم لمناصب سلطة اهلية وبواسطتها المكانة التي جعلت منهم على مر الأعوام أصحاب نفوذ وثروة استحقوا عليها وبجداررة مِن طرف اغلبية سكان القصر الكبير لقب "الخونة" ، ليلاحقهم حتى ما بعد الاستقلال ، حيت احتل الناجين من "مَحْرَقَة العرائش" لأسباب قد يطول شرحها ، مناصب قيادية  أمام معارضة واستغراب الوطنيين ، وذاك موضوع سيتم التطرق اليه لاحقاً إنشاء العلي السميع سبحانه وتعالى .

... القاعدة العسكرية تلك أقامها الاحتلال الإسباني على مساحة تقارب إحدى عشر هكتاراً على شكل مدينة مصغَّرة مُحصَّنة من كل جانب ، بها من الإقامات ما مثلت شيئا عظيمَ الإنجازِ فخمَ المظهرِ مخيفَ الجوهر ، بداخلها استقر المجندون المغاربة تحت إسم القوات النظامية (   REGULARES) باللغة الاسبانية ، التابعة للجيش الإسباني خلال مرحلة الاحتلال لا غير ، ممَّا يوحي أن المدينة  بوجودهم وكأنها قاعدة لاحتلالين الأول إسباني ، والثاني مغربي متقمِّص دور نفس الإسباني ، وهنا يتجلى عمق ما حاولت إسبانيا تحقيقه انطلاقا من القصر الكبير ليعمَّ الشمال (باستثناء طنجة) ذاك الواقع المدروس بدهاء خبيث ، بجعل هؤلاء المجندين نواة ظهور جيل من حماة اسبانيا الداعين لبقائها لما يعني ذلك بقاؤهم ، لكن القصريين الأحرار الواعين بما يكرِّس المحتل أقصى جهده بكل الوسائل المادية وغيرها ،  للاستيلاء على أهم ما فيها سكانها ، لكن تكريسه ذاك بقي في نسبة معينة ومتذبذبة معروف عن بعض قادتها بما كانوا يحيون فيه من بذخ جر عليهم كراهية الوطنيين الدفينة الجاعلة منهم أذناب محتل بغيض .

مصطفى منيغ

سفير السلام العالمي

مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدني – أستراليا

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء الثاني

 

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء الثاني

القصر الكبير : مصطفى منيغ

الحنينُ خَوْضٌ في جوهرِ تَصَرُّفٍ مَا أتَى بعده نعمة وما بَعْدَ بَعْدِهِ نقْمَة ، لما أخفاه العقل الزَّمن كاشف ما تَضَمنَّه مِن معنَى سابقٍ لايِّ شَرْحٍ بالصورة والكلمَة ، في تحالفِ مع خيال وُجِدَ لتَشْخِيصِ مستقبل ما جَرَى بَعْدً ماضي  مُعادٍ اندثرت خلاله الرغبة وتخطيطات المُهمَّة ، ليعم الارتياح مَن ساده الطموح لواقع لم يكن لمصيره مالك أو تَسُوده كآبة المسؤول عما غيَّر مَسرَى حياته بِحُكْمِ زمرةٍ عن غير حِكمة (وراء الستار) به حاكِمَة . الحنين خطوة للوراء عسَى الوقوف (للنظر بتمعن أكثر تركيزاً ممَّن صقلته الأعوام الماضية من عمره) ينفع لفهم العائق المبهم التارك تلك البَصْمًة . الحنين وِصال ما بَدَا حينها مستحيلاً لمتأثِّرٍ عن ظروف أوقفَتْه على قساوةِ القسوَة ، جامعة الأضداد لمناصرة الفارق بين البسيط والمُرَكَّب عن ثروَة ، يجعل الأخير رافضاً اقتسام مثل الحقوق مع فقيرٍ يعتبره عُبْوَة ، مع المصاهرة قد تنفجر للاستيلاء فوق مَن أحبَّها على ما يتعدى الحَسْوَة .

... مدينة القصر الكبير ساعتئذ عرفَت أربع طبقات مِن البشر ، أغلبية متواصعة في كل شيء ، طيبة همها الأساس تربية ابنائها على نهج الأخيار، قانعة بأقل القليل إن كان مستمراً كدخل عن عمل نظيف مبذول كحرفة مُكتسبة دون اختيار ،  دَخْل مالي لا تشوبه شائبة أو تُعكِّر اكتسابه ولو رائحة الشك في مصدر حلاله الخالي من أي أسرار ، الثانية أقليَّة من الإقطاعيين القادرين كانوا للتعامل مع الشيطان ، لاستثمار ارباحهم عن صفقات خاصة أغلبها تتم ليلاً والناس نيام  ما بين "عَرْبَاوَة" ونقطتي تَحرُّكِ القطار بين مدينتي "طنجة" و"القنيطرة"  معظمها تنفَّدُ عن أداء أضخم  رشوَة ، والطبقة الثالثة مكوَّنة من الموظفين الرسميين أكانوا خاضعين للإقامة العامة الاسبانية ، أو مصالح مدنية أقام لها الاحتلال الاسباني مكاتب مثَّلَت النواة الأولية المنظِّمة للشؤون الاجتماعية الأهلية ، بواسطة مغاربة ابناء البلد ، كوَّنهم على يديه ليكونوا أقرب إليه من سواهم ، والآلة المسخرَّة من طرفه لدفع السكان لقبول الوضعية الجديدة وما تحتاجه من انضباط يُرَتِّب الحاجيات ، وفق امكانات ناتجة عن استغلال ما كانت تجود به الأرض من خيرات ، والرابعة فهي للنازحين الوافدين على المدينة من الدواوير والقرى المحاطة بالقصرالكبير ، التاركين حياتهم الريفية الى البحث عن فُرصٍ أحسن مع قوات الاحتلال ، فوجدوا أنفسهم مجندين بثمن زهيد ، فيما كان يُعرف بقوات "التدَخُّل" و "المْحَلَّة" ، ولكل الفريقين اختصاص مخالف ومتمم في ذات الوقت للأخر ، لكن الهدف واحد ملخَّص في ترسيخ قواعد الاحتلال بطُرُقٍ أكثرها شيوعاً ، الحصول على ألبسة الجندية ومواد تموينية أساسية .

...مرافقة لمثل الاستعداد اتجه الأسبان إلى بناء ما أذهل الجميع ، وجذب الاستفسار عمَّا يُنتظَر ، بإعطاء هذه المدينة الصغيرة الحجم ، كل تلك المعالم العمرانية الضخمة المكلفة الجهد والمال ، تنافس بعبقرية هندستها والمواد المستعملة في انشائها بعض شبيهاتها داخل اسبانيا ، لكن وبفليل من التفكير يُستخلص  إعطاء القصر الكبير ما تستحقه من قيمة رفيعة ، ووسائل تساهم في إعدادها للعب دور خاص وهام ، تمنحُ مِن خلاله الارتياح لرغبة اسبانيا تطوير الموجود الواقع ، لإنشاء ثقافة  تجعل المحتل الاسباني صاحب فضل على بناء ما كان يبدو مستحيلا قبل حلوله ، ليُستقبَل فيما يزمع تحقيقه لغاية مكتومة في سره بالأحضان ، ومع ذلك بقي القصريون مع موقفهم المبدئي المدافع الأصل الأصيل عن الوفاء والاخلاص لوطنهم المغرب ، مع الاستفادة مما يزداد من مظاهر الازدهار المطلوب التعامل معها بذكاء ريثما يتمكنوا من استعادة حريتهم واستقلال بلدهم ، فتعايشوا معها بترحاب تقتضيه دبلوما سية المرحلة ، مقتنعين أن إخراج المحتل يتطلب توفير امكانات ومنها المعرفية قبل المادية ، فانكبوا على اقتباس ما ينفعهم مستقبلأ كما رأوه وسمعوه وشاركوا في مسايرته عملاً مشروعاً يأخذون عليه أجرة ، وتعليما مجانيا موضوع رهن اشارة صغارهم ، وتطبيباً على قياس المتوفر في اسبانيا ذاتها وبالمجان أيضا ، وكل ذلك خلال مرحلة جد قصيرة ، كأنَّ اسبانيا مصمِّمة الدفاع عن احتلالها ذاك ، بكونه تطوعاً لوضع مجتمع على فاطرة التحضُّر الغربي ، لتُغطِّى منافعها العديدة ، ومنها استغلال ما كان جل المغاربة في الشمال لا يعرقون عنها سوى النزر القليل ، من خيرات لا تُحصَى ، كانت كفيلة لو أُحسِن استعمالها من طرف سلطات الدولة المغربية ذاك الوقت ،  لما طمع الأجانب فيها وخططوا ٌلإدراك ذلك .

مصطفى منيغ

سفير السلام العالمي

مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدني – أستراليا

وادي المَخازن وخلل الموازين / الجزء الأول

 

وادي المَخازن وخلل الموازين / الجزء الأول



القصر الكبير : مصطفى منيغ

الحنين سمة المحروم من مواصلة الارتباط المباشر مع أحداث أو أمكنة أو مواقع محدَّدة لعبت دور محطةٍ لها الفضل في الشعور بأهمية الانتساب لمرحلة ما في حياته عايشها بذاته مُرَّةً كانت أو حُلْوَة ، الحنين استقراء ذهني لما مضى لمقارنة أثار الأمس بواقع اللحظة والبال مشغول باستخلاص النتائج وتحليل المخلفات المتروكة عن قصدٍ يُلازِم الذاكرة بمحاسبة صاحبها قبل الغير عن حسنات تصرفاته أو سيئات جعلت منه في إحدى ميدانيهما قُدْوَة ، الحنين حاسة مُضافة للخَمْسِ المعروفة بها إنسانية الخَلق مع إشْغالِه تلقائيا تشارك جميعها في توضيح بثه مجرياتٍ تتحرَّك وإن كانت مع الخيال فهي للمَعْنِي  مسموعة مرئية دافعة لذرف الدموع أو محرِّضة على   تفجير الفرح وكل ذلك خلال ثواني من المُشَبَّهةِ بغَفْوَة ، الحنين فسحة تريح المتضايق من صروف دهرٍ ولَّى ليُثْقِلَ حاضراً ظَهْرَ المُتَخَلَّى عنه لسبب ما بآلام الكدح المُتْخِن يديه بقسوة الجرح عن ارتكابه أخطر هفوَة ، الحنين انجذاب لمُبتغى بُذل الجهد الجهيد في تحقيقه لكن القدر كان أقوى فاعتبره المَعْنِي لتبرير فشله َ مجرَّد نزوة .

... مدينة القصر الكبير كانت إبان الاحتلال الإسباني أحسن بكثير ممَّا عليه الآن بعد سبعين سنة من الاستقلال الناقص عنوة ، كان الرَّجل رجلا والمرأة امرأة ومَن أخطأ منهما شاع الخبر ليُتَّخذَ  القرار العفوي وبدون مقدمات يُعَجَّل بتنفيذ العقاب المعنوي المؤدي لتنغيص حياة المُخطئ بما يليق إبعاده (ولو لحين) عن مجتمع تُعَدّ نظافته المظهرية كالجوهرية نِعْم الأسوة . لم تكن هناك سياسة حزبية ولا جماعات تتكالب على قيادتها عناصر الجهل زادَهم والنية السيئة زعيمة خواطرهم الشرسة والنفاق على ألسنتهم أطرب غِنْوَة ، والافتراء المجاني عنوان سمعتهم الساقطة دوما عن قصدٍ و ليست مجرّد كبوة  ، كانت الحياة بسيطة والفصول بمميزاتها المألوفة تُعْطِى لأذرع الزمن الأربعة ما يناسبها من السوار المُنسَبِطِ الرَّسْوة ، مِن شعاع ملكة السماء صيفاً إلى قوس قزح شتاءا الي تجديد بشرة الدنيا خريفاً إلى نجوم الأرض ربيعاً والكل في تناغُمِ انسيابِ عامٍ بشهوره الإثنا عشر يتقاسمه تنفُّس الهواء الطلق والاغتسال بالمطر و تنظيف المساحات من تساقط الأوراق و استنشاق عبير الخُضرة كصحْوة ، تكرار ذلك لم يكن يتغيَّر كل الناس مدركة ما يترَقَّبها مِن أجواء الطبيعة فيتهيَّؤون لها ليتكيَّفوا مع متطلباتها   أكانت  نوعيات خاصة من الألبسة أو صنوف أطعِمةٍ حسب أمكانات العامة الشعبية أو الصفوة ، كل واجد من الحاجيات المعروضة دون تفضيل  العادي عن صاحب حظوة ، من له ثمن البضائع فليقتني منها مايريد أما العاجز فهناك ما يُطلق عليها دار "الخَيريَّة" تتكفل بإطعامه وذويه ممولة مِن محسني المدينة وما أكثرهم السباقين لعمل الخير ليس مجاملة أو إظهار النَخوة ، بل تضامنا أفرزته ثقافة الأسرة الواحدة مهما بلغ تعداد أفرادها بحكم إقامتهم في القصر الكبير الحاضنة الكبرى لمتبادلي الوِد والاحترام والانفتاح الايجابي على بعضهم البعض مهما طالت تلك الفترة الفاسحة غير المزدحمة بأية حَشوة ، كل حدث طالها نكبة طبيعية كانت أو مجرَّد شيوع فكرة  مبرَّز صاحبها أو مندسّ نكرة  نازح من جبل أو ساحل أو ربوة  ، تتشكل من تُعالج الفاعل بدافع الفطرة وليس امتثالا لآمر لا تربطه بهم فروض الطاعة فتلك سلطة المحتل هم النهر و هي القروة ، ولا مناص من الابتعاد عن أي غاصب له النفوذ والقوة ، وأحرار القصر الكبير ما انبطحوا لزاحف مِن شِبْهِ الجزيرةِ الإيبيرية مهما تظاهر كما تتطلبه الحضارة المتمكِّنة من السيطرة على حكامٍ محليين لم يكونوا في مستوى التصدي لهجوم الأغراب ومتى الصلب تهزمه الرَّغوة . كان هناك تقصير فادح أهمله التاريخ بفعل متدخِّلٍ ، فالرؤوس المتربعة على أجساد المغاربة أنذاك اهتموا ببناء أحصنة حماية لوجودهم ذاك اليوم لغدٍ لا يعيرونه اهتماماً لقصر نظرهم وانجذابهم لمتع الدنيا الفاسحة المجال (أحيانا) لإشاعة الفساد سبيل تحقيق كل أشكال الهيمنة ، لدرجة وجدها أمثال الأسبان فرصة للانقضاض على شمال المغرب وجزء لا يُستهان بمساحته جنوباً ، خدمة لازدهار اسبانيا بالاستحواذ على أجود المنتوجات المغربية الزراعية منها كالمعدنية ، ونظرا لمكانتها المعرفية واقتباسها من علوم الجغرافية والتاريخ عززت ما ظنته عامل خلود فيما اعتبرتها أراضي مُكتسبة (ملحقة لها شكلاً إدارياً ومضموناً مجتمعياً) في مناطق معينة انتهت حصيلة تقصيها للحقائق الحقيقية بمدنٍ منها القصر الكبير، فاندفعت في هذا الأخير  مشيِّدة ما يُبهر ، ومنها معالم ضخمة تظهر ما حظيت به المدينة كأهمية مثالية من طرف اسبانيا ، ليقينها أن احتواء عقول القصريين بمشاهدة التحوُّل العقاري المذهل  الذي تحياه مدينتهم ، يُعتبر المدخل الأساسي لضم غالبية سكان الشمال لثقة وطيدة مع تلك الدولة الطامعة في استئصال جذور الوطنية من أعماق المغاربة في هذه الربوع ، لإقامة امبراطورية يُضرب لها ألف حساب دوليا ، لكن القصريين تصرفوا حيال ما رأوه من تلك المعالم بذكاء ظل غير مفهوم حتى وجدَ الاسبان بما ملكوا يخرجون رغم أنفهم من المدينة ، صاغرين يذرفون الدم بدل الدموع ، ويغطون وجوههم كي لا تفضح مؤشرات الندامة عن فقدانهم ثراء ما كسبوه من نعيم بنيَّة هدم ما شيدوه ، لكن التوقيت لم يسعفهم فتركوا ما تركوه دليل نصر  وإدانة في ذات الوقت ، نصر يؤكد أن القصريين لا يُشترى وفاؤهم لوطنهم المغرب برشوة مهما بلغ حجمها الخارج عن أي تقدير متصاعد القيمة ، وإذانةً للسلطات المغربية التي فشلت عن بناء ولو ربع ما بنته اسبانيا في القصر الكبير حتى الآن ، وفي ذلك قصة من الضروري تسجيلها لإحاطة الرأي العام عن ظلم تجاوز كل ظلم دولة لجزء من كيانها الكاتب التاريخ الحضاري الإنساني المجيد قبل تكوينها على ارض الواقع بمراحل .(للمقال صلة)

26 أكتوبر 2025

مصطفى منيغ

سفير السلام العالمي

مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدني – أستراليا

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء 14

  وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء 14 القصر الكبير : مصطفى منيغ الحنين اعتراف دون استنطاق عما حدث لمُهتَمٍّ من عشرات السنين او للحظة م...